الأربعاء 25 ديسمبر 2024
|
---|
19 سنة 19 يوم
اليوم عيد ميلاده الحادي و الثمانين .. عمر مديد عشته بالطول و العرض كما يقولون .. لو فرغت ما فيه من خبرات و تجارب لملئت
ألف عام من أعمار الآخرين .. اليوم يوم الطقوس السنوية الخاصة .. منذ عمر الأربعين تفتق ذهنه عن فكرة يطبقها كل يوم ميلاده .. يفتح مكتبه القديم .. كعادته شديد النظام .. لكل رف اسم يزينه بلافته معدنية تعلن عن محتوياته .. هناك رف المستندات الرسمية شهادات الميلاد و الوفاة ..رخص السيارة و عقد السكن و فواتير الغاز و الكهرباء و المياة .. شهادات الدراسة و العمل و هناك رف المعاملات المالية يحتوي علي خطابات البنوك و دفاتر الإيداع و شهادات الاستثمار و حسابات الزكاة و رف الحالة الصحية و به تقارير طبية و صور الأشعة و نتائج التحاليل . .رف الذكريات و التذكارات و الصور القديمة .. يمد يده و يسحب ورقه .. صورة ..ملف .. كتاب ..كارت .. ورقة ..اي تذكار بشكل عشوائي ثم يمضي اليوم متذكرا ما كان يعينه له هذا التذكار .. لم تخونه ذاكرته ابدا في تذكر الحكاية و الموقف .. ولم يخونه عقله في استرجاع الذكري و اللحظة و لم يخونه قلبه في استرجاع الشعور و الأحساس المصاحب .. يقضي ساعات في الة الزمن التي أخترعها لنفسه ثم يعود من رحلته شاباً عفياً .. يظن أن هذا الفعل السنوي هو سر عمره المديد و صحته القوية .. من يستطيع غيره أن يصير شاباً في العشرين أو الثلاثين يوماً كل عام .. يسحب من سنوات عمره هموم تقتل و مشاكل تسبب الأمراض .. لم يخبر أي انسان بسره العظيم .. و لا مبالغة أن أعتقد أنه ينتظر هذا اليوم من العام إلي العام و يعيش علي ذكراه حتي يعود ..يفرح به فرح الأطفال في العيد .. وكلما سحب تذكار لا يعيده إلي مكانه بل ينقله إلي رف أخر لا أسم له .. واحد و أربعون عاما مضت بواحد و أربعون رحلة في ألة الزمن ..خلال السنوات الأخيرة قاربت محتويات رف الذكريات علي الأنتهاء و قارب الرف غير المعنون علي الأمتلاء .. واليوم أكتشف أن الرف ل يحوي إلا ملف واحد متوسط الحجم .. أزرق اللون بلون عينيها .. هو يعلم ما في هذا الملف طوال العمر و ربما وضعه عامدا متصنعا للصدفة أسفل كل المحتويات .. و ربما تعمد متصنعا الدهشة سحب كل ما عداه .. ورغم ذلك كله فقد تعمد مرة أخري نسيان ما فيه .. نسيه مع تذكره .. وتركه مع كل الرغبة في أن يختاره .. و عده من ذكريات عمر ماضي مع أنه الذكرى الوحيدة الحية في حياته .. أرتدي يومها ملابس جديدة .. أشتراها خصيها لهذا اليوم .. صنع بنفسه قالب كيك علي شكل قلب ..لم يشتريه .. استعد قبل هذا اليوم بشهر كامل .. كتب فيه محتويات هذا الملف تسعة عشر ورقة لتسعة عشر سنة في عيد ميلادها التاسع عشر في كل ورقة معني مختلف .. عبر فيه عن كل مشاعر عمره .. و أعتبر ما كتب قمة أبداعاته .. ورقة بين لها فيها انها تمثل له الأم التي افتقدها في سن صغير .. مثلت له الحنان و الآمان .. ورقة بين لها فيها أنها تمثل له الأخت التي لم تولد ..فكانت له الألفة و المودة ..ورقة بين لها فيها أنها تمثل له الصديقة المقربة .. فأضافت لحياته أخلاصا و عشرة .. ورقة بين لها فيها أنها تمثل له الأبنة المستقبلية .. فوهبت له الشعور بالمسئولية و الرغبة في توفير الرعاية و الحماية .. ورقة بين لها فيها أنها تمثل له القريبة .. فكانت له عائلة عزيزة و رحما قريبا .. ورقة بين لها فيها انها تمثل له الأنثي بجماله و دلالها وسحرها و عطرها ..ورقة بين لها فيها أنها تمثل له رجل .. نعم رجل يعتمد عليه و يركن إليه وقت الحاجة و وقت الضيق .. ورقة بين لها فيها أنها تمثل له الزميلة التي تساعده في فهم ما لا يفهمه و استيعاب ما تضيق عليه خلايا مخه من علم و علوم ..ورقة بين لها فيها أنها تمثل له الملاذ و الملجأ الذي يهرب اليه و يبوح له بسره و خبره .. ورقة بين لها فيها انها تمثل له الأستاذ و المعلم الذي يرشده و يقومه في ما يطرأ علي أخلاقه من أعوجاج و أنحراف ..ورقة بين لها فيها انها تمثل له جزيرة كنز كان عليه دوما المغامرة و البحث ليكتشفها ..ورقة بين لها فيها انها تمثل له سندريلا التي ظهرت فجأة و يخاف أن تختفي فجأة ويقضي عمره يبحث عنها .. ورقة يبين لها فيها أنها تمثل له كل معاني السمو الروحي في كتب الفلسفة الحق و الخير و الجمال ..ورقة بين لها فيها أنها تمثل له مرآة مصقولة لامعه يري فيها روحه لا شكله و قلبه لا وجهه ..ورقة بين لها فيها انها تمثل له ماء و هواء فلا يستطيع ان يعيش الا بها و منها ..ورقة بين لها فيها انها تمثل له شهرزاد الحكايات الآسرة و أنها خطفت بكلامها روحه و قلبه فأستسلم طائعا قابلا لحكمها و أمرها ..ورقة بين لها فيها أنها تمثل له الشروق و الغروب .. فالدنيا تشرق له وقت لقائها و تغرب عنه ببعدها عنه فيظل في الظلام حتي تعود ..ورقة بين لها فيها انها تمثل له الأمل الذي به و له يحيا و يعيش و يرغب ..ورقة بين لها فيها انه تمثل له الزمان فهي ماضيه و حاضره و مستقبله جمعوا معا فكانوا كما قالت جارة الوادي يوم رضاها .. ثم اضاف الورقة العشرين وكتب فيها كلمة واحده جمعت كل ما سبق .
- قرأت 3130 مرة